السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفكك الأسرى وعدم استعداد الأقارب لتحمل مسئولية الأيتام سببان لإيداع الأطفال بدور الأيتام
الأمهات البديلات يؤكدن: لن نختار على هذا الشرف أى عمل آخر، واللين والحنان منهجنا فى معاملة الأطفال
يوم الأم من أصعب الأيام على أمهات الدور، وتذكر الأيتام لأمهاتهم يبكيهم ويبكى من حولهم
أطفال دور الأيتام: هنا بيتنا الحقيقى ومديرات الدار أمهاتنا
أحد ضحايا التفكك الأسرى يفشل فى جمع شمل أبويه فيهرب بلا عودة
فى دور الأيتام يتنسم المرء عبير الإنسانية الجميلة، حيث صغار شاء الله أن يُحرموا من نعمة الأبوة، أو يتخلى عنهم ذووهم طواعية، وكبار اصطفاهم الله ليحتضنوا هؤلاء المحرومين، ويفيضوا عليهم حنانًا وفهمًا، واحتواء، ويغتنموا فيهم الأجر، ويحظوا من خلالهم بشرف صحبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى الجنة.
وفى شهر اليتيم الذى شهد مولد أكرم أيتام البشرية سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) زرت بعض هذه الدور، والتقيت بفتيات فى عمر الزهور اخترن مهنة الأم البديلة عن حب ووعى، وبأطفال تلمع عيونهم البريئة بفرحة الإحساس بأن هناك من يحبهم ويحنو عليهم، ولمحة الحزن التى يرسمها شعورهم بأنهم محرومون من الحياة الطبيعية وسط آبائهم وأمهاتهم، أو ملفوظون من أقاربهم الذين ضاقوا بمسئولياتهم، ورفضوا أن يضيفوا إليها المزيد.
فى السطور القادمة كلمات من قلوب أمهات هذه الدور، وأطفالها، ودعوة إلى اعتبار «دار الأيتام» مكانًا للنزهات الأسرية، حيث إدخال الفرحة على نفوس بريئة، واغتنام الأجر على ذلك ممن لا يضيع عنده شيء.
أطفال مرفوضون
تقول السيدة/ راجية راغب - مديرة أحد دور الأيتام فى دور الأيتام اليتم فقط ليس هو السبب الوحيد لوجود الأطفال فى الدار، فهناك حالات مجهولى النسب الذين ترسلهم وزارة الشئون الاجتماعية إلى دور الأيتام بعد سن ثمانية شهور، أى بعد الفطام، وإنهاء التطعيمات اللازمة لهم، بالإضافة إلى أبناء السجينات.
وللأسف الشديد هناك أطفال كثيرون يعيشون فى دار الأيتام بسبب التفكك الأسرى، حيث ينفصل الأبوان، ويعيش كل منهما حياة أخرى، ويرفض زوج الأم أو زوجة الأب وجود الطفل بينهما، وهذا الأمر أصعب كثيرًا من اليتم، فالأهالى موجودون، ولكنهم ينكرون أبناءهم، وأحيانًا كثيرة لا يأتون لزيارتهم، لكن الطفل اليتيم على عكس ذلك، يتأقلم مع الدار، ويشعر أنها كل شيء له فى الحياة.
وتحكى السيدة/ وفاء عبد الغنى - دبلوم تجارة، مشرفة - مأساة طفل عاش فى الدار مدة قصيرة ووالده منفصلان، ويعمل والده طبيبًا، وهو متزوج بغير أمه، والأم زوجها لواء، ورغم هذه المكانة الاجتماعية فقد تركا طفلهما الوحيد فى دار الأيتام، وكان الطفل عندما يذهب لزيارة والده يحاول الوقيعة بينه وبين زوجته، وكذلك يفعل مع والدته وزوجها؛ لأنه كان يريد لهما الانفصال حتى يعودا لبعضهما، ويعيش فى كنفهما، ولم يتحمل الطفل الحياة فى الدار، وتركها بدون عودة، ولم يُستدل له على مكان بعد.
التقيت بالأم البديلة حنان عبد السميع - معهد فنى تجارى - تعيش فى الدار منذ سنتين ونصف، ولها ثلاثة أولاد يعيشون معها فى الدار نظرًا لظروف عائلية خاصة بها، وهى مسئولة فى الدار عن خمسة أطفال مجهولى النسب.
تقول حنان:أعامل الأطفال مثل أبنائى تمامًا، وأتقى الله فى الأيتام، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أوصى بهم، ولذلك فكل حياتى ووقتى لهم.
وتشارك أسماء أبو بكر - دبلوم تجارة - زميلتها فى العناية بالأطفال رغم صغر سنها، فهى فتاة مخطوبة، وتستعد للزواج، وليس لها خبرة فى تربية الأطفال، وبرغم ذلك تقول أسماء: أتناوب السهر مع زميلتى، ولا أشعر بأى اشمئزاز عندما أُغيِّر للأطفال، وأنظفهم، فحب الأطفال الضعفاء فطرة لا يُحرم منها إنسان سوى.
حاولت التحاور مع البنات فى أحد دور الأيتام فوجدت أن معظمهن يخجلن من الحديث، وكأنهن يدركن حقيقة وضعهن، ويخشين نظرة المجتمع القاسية لهن برغم أن ذلك شيء خارج عن إرادتهن، ولكن بعضهن تحدثن وهذا ما قلنه:
اسمى فاطمة على - فى الصف السادس الأزهرى - أعيش فى الدار منذ 11 سنة، وذلك بسبب انفصال أمى وأبى، فأشعر بارتياح شديد هنا فى الدار، وأذهب فى المناسبات لزيارة أبى وأمى، وعندما أواجه مشكلة فى المدرسة، أو الدار ألجأ إلى مديرة الدار فهى أمى الحقيقية فى هذه الحياة.
جئت لأتعلم
فاطمة صابر - ثانوى - أعيش فى الدار منذ 5 سنوات أنا وأخوى حسين وإيمان، ونشعر كأننا فى بيتنا، لقد أتت بنا «عمتى» إلى هنا بعد وفاة أمى وأبى، وأهتم أنا وأخوى بمذاكرتنا.
وبرغم مسحة الحزن التى رأيتها فى عينيها، فإنها تقول: أنا لا أحزن عندما أجد زميلاتى فى المدرسة يتحدثن عن أسرهن، بل أفرح وأتمنى لهن السعادة.
رشا بخاطره - ثالثة ثانوى تجارى - لى ثلاث سنوات فى الدار، وقد كنت أعيش مع أمى وإخوتى، ولكن لحرصى على إتمام تعليمى، وعدم قدرة أمى المادية على ذلك، جئت إلى هنا لأعيش حياة مستقرة وأتعلم.
نكره الإلتزام
نسمة وداليا حسن: يعمل والدنا فى مهنة بسيطة، وكان يتركنا فى الشارع، فجاء بنا عمنا إلى الدار، لا نرغب فى الحياة فى الدار، ولا نحب المذاكرة، والمواعيد المحددة لكل شيء.
وسط أهلى
فوقية نبيل - أولى إعدادى - كنت أعيش مع عمتى وأخى، ولكنها أتت بنا إلى هنا، ولم تعد تأتى لزيارتنا، ولكنى أشعر فى الدار بأنى وسط أهلى وإخوانى.
قمة الحزن والسعادة
تضيف هبة صلاح - كلية تربية - رغم أن هذا ليس مجال تخصصى، فالعمل هنا جميل، وفكرة الوجود مع الأيتام فكرة محببة لى، ولقد تعودت على حياة الغربة عن أهلى؛ لأننى كنت أعيش فى المدينة الجامعية.
فأنا أحب هذا المكان جدًا، ومرتبطة به، وبالبنات، لقد كانت أمنية حياتى أن أشتغل فى دار الأيتام، فلقد كنت أذهب لزيارة دور الأيتام أثناء الجامعة، وأصعب موقف قابلنى فى بداية عملى ولم أستطع التعامل معه لأننى لست أمًا، وهو مشكلة التبول اللاإرادى لإحدى البنات، وهى فى سن ليست صغيرة، ولكن هذا الأمر يرجع إلى عوامل نفسية، والحمد لله تم علاجها وأصبحت سوية مثل الأخريات.
وأنا أحزن جدًا لحزن البنات لو حدثت لهن مشكلة فى المدرسة، والبنات هنا يتألمن عندما تأتى أم لزيارة ابنتها فى حالات التفكك الأسرى، أو إذا وعدتهن ضيفة بالحضور لتأخذهن فى زيارة لها خارج الدار، وأخلفت وعدها.
وعندما سألتها عن تطلعات البنات هنا فى الدار أجابت: البنات هنا «بلا تطلعات وبلا هدف».
تضيف هبة: إننى الآن فى قمة حزنى برغم أننى سأتزوج، ولابد أن أكون فى قمة السعادة، ولكن بعدى عن البنات ينغص عليّ سعادتى، ويسرق فرحتى.
وتقول هند محمد - جامعة الأزهر - أنا أحب العمل جدًا هنا، وفخورة بأنى أم لهؤلاء الأيتام، وحتى لو أتيحت لى فرصة عمل أخرى لن أترك هنا، أنا أكسب هنا ماديًا ودينيًا أى دنيا ودين.
ويكفى الأجر الذى وعده الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) لمن يكفل اليتيم، أو حتى يمسح على شعره، فله بكل شعرة حسنة؛ لذلك أنا أعمل هنا بإرادتى ولست مجبرة، ورغم صغر سنى فأنا أشعر فعلاً بأنى أم لبنات فى إعدادى، والبنات هنا يجبرن من يتعامل معهن على حبهن، وهن يشعرن بالانتماء الشديد للمكان، فهو بيتهن الحقيقى، ولا أحد يمكن أن يتحملهن خارج الدار، فهن يشعرن أن استقرارهن الوحيد هنا، هنا يلبسن أفضل الثياب، ويأكلن أفضل الطعام، بالإضافة إلى النواحى الترفيهية، ولكنهن رغم ذلك مفتقدات للحب والحنان دائمًا، ومهما أعطيناه لهن فهذا لا يعوض حب وحنان الأم الحقيقية.
وأصعب يوم على الدار هنا هو عيد الأم، فالكل فى حزن وأسى، حتى أصحاب حالات التفكك الأسرى، الذين لهم أم تركتهم فى الدار، وأصعب موقف عندى عندما تذكرت بنت منهن موت أمها، وحكت لى عنها، فلقد ماتت وهى بجوارها، هنا بكيت وشعرت أن الدنيا كلها تبكى من أجلها، ورغم أن الأيتام فى أثناء الترفيه، والأوقات العادية يضحكن ويلعبن، إلا أن الغالب مسحة الحزن فى أعينهن.
طمعًا فى الأجر
لمحت أثناء وجودى فى دار الأيتام طفلاً جميلاً يرتدى ملابس غالية الثمن اسمه «عيد سيد» يعد عمره على أربعة أصابع، وعندما سألت عنه علمت أن هناك أسرة كريمة تكفله فى بيتها ثلاثة أيام من كل أسبوع، والأسرة تتكفل بكل شيء يخص عيد، وستدخله مدارس خاصة ليتعلم.
ظننت فى البداية أن الأسرة ليس عندها أولاد، ولكنى علمت أن للأسرة ثلاثة أولاد، أى أنها ليست محرومة من الأطفال، ولكنها تريد الأجر والثواب من الله، وتدرك فضل كفالة اليتيم، ومدى البركة فى البيت الذى يحل به يتيم، فقد قال (صلى الله عليه وسلم) ما معنا هو «أفضل بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يُكرم، وأشقى بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يُهان».
تشاور الأمهات
وقد تحدثت مع أمهات بديلات كثيرات فى دور أيتام متعددة، ووجدت منهن حماسًا شديدًا لما يقمن به، وإحساسًا واضحًا بأهميته وقيمته، وممن التقيت بهن نجلاء إبراهيم وعبير سعد، وعفاف عبد الرحيم، ومنى عبد السلام، وهبة صلاح، وعزة عبد العزيز، وهبة محمد.
ومنهم من لديها فرص عمل أكثر دخلاً، وتتناسب مع تخصصها، ولكنها تفضل عليها عملها فى دار الأيتام مثل: عبير سعد خريجة أحد معاهد الكمبيوتر.
وتتفق الأمهات البديلات على أنهن يعاملن الأطفال باللين والحنان، ويولين اهتمامًا خاصًا للمتفوقين والموهوبين منهم، ليكونوا قدوة لغيرهم، كما تتشاور أمهات كل دار فيما بينهن فى كل ما يتعلق بالأطفال ومصلحتهن، والأسلوب الأنسب لعقابهن.
ومن نزلاء الدور الذين قابلتهم محمد نبيل عيد، وخلود عاطف، وعفيفى مصطفى، وعاطف أنور، وسيد رجب، وإبراهيم طارق، وكريم إبراهيم، وفريد توفيق وقد عبروا عن سعادتهم بالإقامة فى دور الأيتام، حتى من لديهم أسر وأقرب؛ إذ أكدوا حسن معاملة الأمهات لهن، وارتباطهم بهن، وإحساسهم بأنهم فى بيوتهم فالترفية متوافر، والمتابعة الدراسية لا تقصير فيها، كما أن الدور تراعى جودة الطعام، ومناسبتة للحالة الصحية للأيتام، كما أكد محمد صابر - 12 سنة - والمصاب بحساسية نحو بعض أنواع الطعام
المصدر: مجلة الزهور